ثقافة و منوعات

من مهجري الي والدي بمرقده ابكي الوطن السودان في اول رمضان

*من مهجري الي والدي بمرقده ابكي الوطن السودان في اول رمضان*

لقد حال الحول ولن استطع الان قول ما كنت اردده عليك في مثل هذه الليلة (الاول من رمضان) لسنوات عديدة اما حاضراً امامك مبتسماً او عبر الهاتف خلال سنوات غربتي الطويلة.. …

انا وامي والاهل اليوم في غربة قسرية وتهجير عن الاوطان وقد فقدنا الامان وجدت نفسي افيض حزناً واغرق في دموعي عندما سمعت نبأ ثبوت شهر رمضان…. وطاف بذاكرتي شريط طويل من ذكرياتنا معك في رمضان لعقود الي ان جعلك المرض ممن لا يطيقونه وافتديت تذكرت كيف كانت بداياتنا مع الصوم وحثك لنا عليه في تلك الايام القاسية كنت تشجعنا وعندما تحس انه يوم صعيب تحاول ان تتحسس شعورنا فتجدنا نتحدي باننا سوف نواصل (صيام سحلية بس) فتتبسم رغم جفاف الشفاه والحر والعطش. كانت الايام التي تدربنا فيها علي الصيام ايام صيف قاسية وذات حرارة عالية و(سموم تلفح) كانت ايام بلا مراوح تحرك الهواء ولا المكيفات التي تتحكم في درجة الحرارة والرطوبة داخل الغرفة المغلقة …. كانت الغرف كما النفوس مفتوحة وشبابيكها الخشبية تستقبل الهواء من جانب ويخرج من الجانب الاخر بعد ان يبقي منه ما يفيد الناس… الان اذكر جلستك في (ضُل الديوان) بعد صلاة العصر و انت علي (التبروقة) وامامك (الابريق) والمصحف الشريف بين يديك تتلو بصوت رخيم وردك اليومي تتمضمض بين حزب والاخر وتغسل وجهك الوضئ فيجف قبل ان تضع (الابريق) وتلك ساعات تدب فيها الحياة (بالبيت الوراء) مكان امهاتنا (حبوبتي) رحمها الله تتفقد عجينها وخمارتها وخالتي( المعلمة) و المتخصصة في سلطة الروب وقد نظفت بصلها وثومها مع العجور استعداداً للتقطيع الدقيق قبل ان تغسل يديها لتكسر الثلج وتضعه علي المشروب وبعض الجارات يتقاسمن الثلج والماء البارد واحداهن تقول لي بحب (تمر الفكي السيدو شايلوا ومشتهي) عندما اكسر لها الثلج واحتفظ لنفسي بشئ منه… الان امي حفظها الله قد جهزت كوانينها بقوانينها والنظام للعصيدة والمديدة او مشروب النشأ الساخن

وبلادنا الان كانون بلا قانون ولا نظام سوي (المديدة حرقتني) وامي في تلك السويعات تتفقد الاحمر والابيض من الابري المبلول لاستخلاص المشروب ولا يذهب (التفل)جفاء فهو مما ينفع (للعتان) تلك الايام تقدر قيمة الاشياء بقدرها وبعد ان كان (البل) للابري او الكسرة والخبز الجاف للقمة اوالجقمة اضحي(البل) الان مصطلح لاستخلاص الموت والدمار…. وهكذا يسير اليوم ببطء سريع والعصيدة وملاح الروب او التقلية تسير نحو النضج والاستواء اما الان يصوم البلد و يفطر بالدعم السريع والاستواء حد الاحتراق للجثث ولم يوذن مؤذن الخلاص بعد والمديدة تحرق البعض فيرميها علي الاخر وشوارعنا تلتهب الان بعد ان كنا نفرشها بالخير (للغاشي والماشي) والافطار والتوادد والتراحم والمؤانسة والراديو والدهباية وهاشم صديق وصلاح الدين الفاضل وصديق احمد حمدون… حليل هنا امدرمان في زمن (الجقم) بعد ان كانت الجقمة مع التمرة( تحلل صومنا) اضحي الجقم نغمة القتل والتكبير بعد جز الرؤوس…. انا لله وانا اليه راجعون

كل هذا يمر امام عيناي الغارقة بالدموع الان .. اذكر حضورك من الخرطوم مكان عملك وانت متعب والبص طوي المسافة من الخرطوم للعيلفون في ساعة كاملة بطريق غير معبد(غبار ودقداق) وكنت قد قطعت ذات المسافة في صباح الباكر بنفس اليوم ذهاباً وهو ذات المشوار الذي عرفت انا قسوته لاحقاً بعد ان كبرت علي عينيك وتخرجت وتوظفت وانت يا حبيبي الوالد الاب والمربي ما زلت تكدح وتعمل حتي 15ابريل 2023 يوم الحرب حتي بعد ان صار لكل منا اسرة جديدة من احفادك والاسباط كنت تصر وبقوة ان تظل تعمل وتجاهد…

اضغط هنا للإنضمام لمجموعات رام نيوز على الواتس اب

بكيت كثيراً عندما تذكرت اني الان في ذات البلد التي قلت لك عبر الهاتف ذات مرة عندما ضاق الحال بالسودان تعالوا الي هنا كي تعيشوا معنا حياة كريمة تحترم الانسان فلم يعجبك كلامي اطلاقاً لكنك لم تظهر غضبك لانك تحبنا مثلما تحب اهلك و وطنك وانت الذي لم تطق الغربة اكثر من ثلاثة سنوات… ازدادت دموعي وانا اتذكر حديثك في رمضان الاخير واخر ايامه وانت تتحدث عن الجيش وانه سوف يقضي علي هذا التمرد في ايام ولم تتزحزح ثقتك في الجيش حتي رحيلك والحمد لله انك لم تر ما حدث لنا بالعيلفون لانك كنت ستموت عشرات المرات فقد نهبت اموالنا واملاكنا وكل ما تركته لنا… لقد ظللت رحمك الله تردد لشهور ان الجيش سوف يقضي علي هذا التمرد غير المقبول واحمد الله اننا قبرناك بالعيلفون في جمع من الاهل واقمنا الماتم والعزاء ليتم بعد شهر استباحة العيلفون ويطرد اهلها منها ليموت بعضهم ويقبروا في مهاجرهم والاوطان الجديدة… مؤكد انك لم تكن لتتخيل في يوم ما ان العيلفون ستخلو تماماً من اهلها وقاطنيها وكثير من القري والمدن بعد ذلك.. وها قد حال الحول علي ماسأة السودان وليس في الافق مايبشر بخير قادم الا ان ثقتنا بالخالق كبيرة… و اسمح لي يا ابوي فانا ابحث عن وطن جديد لاولادي…..

*الحمد لله فقد قُصم ظهري وفقدت ناصري ونصري فلزمت صبري وقبلت قدري واوكلت لله امري بفقدك مساء 3/9/2023… انا لله وانا اليه راجعون*

بعدك فقدنا الوطن و اضحينا مهجرين بذات الارض التي طلبتك ذات يوم ان نجعلها وطناً جديداً و ها نحن علي السفر والمرض صائمون ننتظر الاذآن…. الله اكبر الله اكبر

ابنك المكلوم
محمد طلب
الاول من رمضان1445
الموافق 11 مارس2024

اضغط هنا للإنضمام لمجموعات رام نيوز على الواتس اب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى