ست البيت 7 ترتاح روحي كل ما أطراها
محمد طلب : يكتب…..
الذكريات لها تفاعل عجيب مع الأرواح ولها دور كبير في الراحة النفسية والسلوي والحديث عن الذكريات ربما ينقلك لعالم آخر تسترجع فيه تلك الذكريات وربما تتم ترجمتها إلى نصوص أدبية أو فنية حسب ما وهبك الرحمن من مواهب . وكل العلاقات الإنسانية ذات ارتباط وثيق بما يحتفظ به الإنسان من ذكريات
اختلفت الآراء حول اغنية (ست البيت) البعض قال إنها قصيدة كتبها في زوجته واتوا بقصص تؤيد ذلك وتبرهنه…. وآخرون قالوا انه يتحدث عن مثالية الزوجة والزوجة المثالية
وجدت نفسي في حوجة لترجيح رأي على آخر فآثرت الرجوع للظروف التي قيلت فيها القصيدة وتاريخها لعلي أجد ما يجعلني لأحد الطرفين…. …
علمت أن الشاعر تزوج مرتين حيث تم تطليق زوجته الأولى عندما انقطع سنتين في مكوار (حسب ما ورد في مقدمة ديوانه) وظل بدون زوجة لمدة سبعة عشرة سنة -(١٩٢١ إلى ١٩٣٨) وارجح انها الفترة التي كتب فيها معظم شعره وأغانيه في الغزل وابدع في ذلك أيما إبداع … واحسب أيضا انها الفترة التي كتب فيها اغنيته
يا مولاي زوجة يكون شلوخا تلاتة
الاتنين نبكر بالبنية حلاتا
وهي قصيدة طويلة تبدأ بالامنية في زوجة بمواصفات معينة تشبه ذلك الزمان ومميزاته الجمالية (للشلوخ) مما جعلها اغنية محدودة تصلح فقط لتلك الفترة وغير المعقول أن يتغنى بها أحدهم اليوم (استدرك ذلك في ست البيت وجعلها ذات صلاحية ممتدة)
وصل بتفاصيل تلك الأغنية (الأمنية) من زواجه إلى زواج الابنة المولودة لهما (آمنة) واصفا كل ذلك في القصيدة من الزواج إلى الولادة والسماية حتى تكبر البنت ويكثر خطابها… قال في تسميتها:
يأت من كان حدقلو اسم بقت العبارة جسيمة
سميناها آمنة أن شاء الله حاقه اسيمه
ثم يسترسل في وصف طفولتها ومحبة الاهل والجيران لها… وعلى ذات نسق (ست البيت) التي اعتقد انها( أتت لاحقا) اي بعد (يا مولاي زوجة) لم ينسى أن يصف أهم مميزات والدتها قائلاً :
شوف امها شوف ذوقا ما اصفاها
ما بتقول بدور وبدور ما خصاها
بكل القناعة رب العباد خصاها
ما وصيتا الا الناس تقول وصاها
ويلاحظ هنا انه يصف الزوجة بشئ من ذات الصفات الواردة في ست البيت (اللاحقة) مثل قوله
(مي اللهفانة بي وراء المادة)
وعدل لاحقا الفكرة جملة وتفصيلا ليصبح التركيز أكثر على ست البيت نفسها مع الإشارات الخفيفة مثل (منظمين أولادا) بينما أخذت (آمنة ) حيزا كبيرا في (يا مولاي زوجة)
المدهش أن هذه القصيدة لم تكن سوى أمنية يُستشف ذلك من مقدمة ديوانه التي كتبها ابنه التي تنفي وجود اسم( آمنة) ضمن بناته مما يرجح الرأي الذي يقول أن (ست البيت) ما هي إلا صفات للزوجة المثالية مثل ما صاغ أمنيته للزوجة. في (يا مولاي زوجة) الا ان لي رأي آخر اوافيكم به بعد اطلاعكم علي
المقدمة التي كتبها محمد الطيب الرضى والتي سوف استدل بها على ما أريد قوله يقول في المقدمة:
(هجر الزواج وفكرة الزواج سنيناً طويلة رغم إلحاح ذويه وفي عام ١٩٣٨ اقتنع ود الرضى بالزواج فتزوج بتول بنت أخيه محمد علي موسى وأسس لها منزلا كبيرا بأم تكالي ليكون بجوار والده ولم يدم فيها طويلا إذ حكمته الظروف للرحيل إلى أم ضوا بأن فعاشا بقية عمرهما هناك وانجبا من البنات *رحمة والدلسة* ومن البنين الطيب والرضي وكأن الزمن لا يريد له حياة الهناء والاستقرار ففاضت روح زوجه عام ١٩٥١ فحزن عليها حزناً عميقاً ولم يفكر بعدها بالزواج إلى أن توفاه الله *فعاش على ذكراها وكتب وغني*)
انتهى حديث الطيب ود الرضى
من هذه المقدمة يتضح أن ود الرضى لم يكن له بنت اسمها (امنة) وان بناته هن الدلسة ورحمة (حسب ما ورد في المقدمة) هذا اولاً
والأمر الاهم الذي خرجت به هو أن قصيدة (ست البيت) ربما تكون قصيدة *رثاء* لزوجته (بتول) أراد فيها أن يذكر محاسنها كما وصى الرسول (اذكروا محاسن موتاكم) و ربما نجده ذهب إلى أبعد من ذلك فبعث روحها و أحياها في الأغنية مغازلا على غير العادة في الرثاء وبداية الأغنية تحمل هذه الدلالةَ
ست البيت بريدا برااااها
(ترتاح روحي كل ما أطراها)
اي انه لا( ريدة) بعدها أنها (غائبة) عنه وربما عن الوجود كلما تذكرها تغشاه الراحة والسكينة فيجتر ذكرياته ويعدد صفاتها وأقوال الناس عنها إذ أن الشاعر بعد المقطع الأول
( ست البيت بريدا براها ترتاح روحي كل ما أطراها)
ينتقل مباشرة الي
قالت جارتا مجاوراها
تجي شايلة وتجي مزاوراها
وصار يعدد في محاسنها ويذكر كل ما كان بينهما أو كما قال ابنه في مقدمة الديوان ( فحزن عليها حزنا عميقا ولم يفكر بعدها بالزواج إلى أن توفاه الله *فعاش على ذكراها وكتب وغني*
ست البيت بريدا براها
ترتاح روحي كل ما أطراها
خلاصة الخلاصة هي أن
اغنية (ست البيت) ما هي إلا تجويد وصياغة جديدة بعد خبرة طويلة لسابقتها (يا مولاي زوجة)…. وهذا آخر قولي وربما نعود متى ما استجدت فكرة.
سلام