يا لها من عادة كريمة

أوتاد – أحمد الفكي
عندما تتطابق العادات و الطبائع من حيث الكرم و السماحة تتلاقى الأرواح وهي جنود مجندة كما تعلمنا من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.) .
لقد استقرت حكمة الله – عزَّ و جلَّ – في خلقه وأمره على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه، وانجذاب الشيء إلى موافقه ومجانسه، وهروبه من مخالفه، ونفرته عنه كل ذلك بالطبع . فها هي الشخصية السعودية تنجذب إلى الشخصية السودانية و العكس صحيح و إن دل ذلك يدل على إئتلاف الأروح المتعارفة ، فكانت الدعوة المباركة التي تلقيتها عقب أداء فريضة صلاة الفجر يوم يوم العيد لتناول طعام فطور العيد ، في تمام الساعةالسابعة صباحاً في منزل أسرة آل الضبعان الكبيرة في حضرة وجود كابتن نادي الطائي الأسبق و رئيس النادي الحالي الأستاذ تركي الضبعان .
فطور عيد الفطر المبارك عادة سعودية قديمة متأصلة تتوارثها الأجيال جيل عقب جيل ، يتجمع فيها الجيران كل يأتي بفطوره المُعد من الكبسة التي يعلوها الخروف المطبوخ في الصحن الكبير ( الصحن هو الصينية الكبيرة ) حيث ترص تلك الصحون التي لا يقل عددها عن سبعة في شكل دائري و تكون العادة الكريمة بجلوس كل مجموعة حول صحن يأكلون منه لفترة زمنية لا تزيد عن خمس دقائق ثم يتبادل جميع الحضور الأماكن في ممارسة الأكل على بقية الصحون في عادة كريمة تنم عن جبر الخاطر حيث يتم التذوق من كل المعروض في بشاشة تامة من مقدمي فطور عيد الفطر .
كم كانت السعادة تعلو محيا الأستاذ تركي الضبعان رئيس نادي الطائي الذي قال سعادتنا في هذا العيد زادت سعادة بتواجدنا معهم في صباح العيد ذاكراً عمق التواصل الاجتماعي بين الشعبين الشقيقين السعودي و السوداني .
فطور عيد الفطر المبارك عادة سعودية كريمة وفي مدينة حائل على وجه الخصوص حيث مقر و ديار حاتم الطائي الذي يِضرب به المثل في الكرم .
و بما اننا في ديار طي فلنسعد معاً بقصة حاتم الطائي وحصانه العزيز :
أراد أحد الأمراء في الروم أن يتأكد من سخاء حاتم الطائي وأن ما ورد إليه من قصص حول كرمه كانت صحيحة أم لا ، وعلم بأن لديه فرس كريم عليه.
فأرسل برسول إلى حاتم الطائي يطلب فرسه، وبالفعل ذهب الحارس إلى منزل حاتم الطائي وحين دخل إليه استقبله ورحب به ترحابًا شديدًا.
وذهب حاتم الطائي لكي يذبح ماشية للضيف الذي لا يعلم إنه من حاشية الملك، فلم يجد ما يُقدمه للضيف فذبح فرسه وقدمه إليه، وطلب الضيف من حاتم فرسه فحزن حاتم حزنًا شديدًا وقال للضيف: لو أعلمتني قبل أن انحرها لك؟، فأجاب الرسول: والله قد رأيت منك أكثر مما سمعت .
وفي قصة أخرى على لسان نواره زوجة حاتم الطائي في إحدى القصص عنه إنه في عام حلّ فيه الجوع والعطش، فهزُلت الإبل وكثر بكاء الأطفال من شدة الجوع، فافترشت الأرض نواره في إحدى الليالي ونامت وجاء حاتم الطائي وسأل زوجته إن كانت قد نامت أم لا فهو لا يشعر بالرغبة في النوم فإذا بجارة لهم تكشف الستار ومن ثم تبدأ في طلب الطعام لأطفالها الجوعى، فقال لها أن تُحضرهم إليه، فنهضت نواره مُسرعة متسائلة كيف يفعل ذلك وأبناءه جوعى، فذبح فرسه وأطعم الأطفال
* آخر الأوتاد :
إذا ذكر الكرم و الجود لا بد من الوقوف عند محطة الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه التي لا يمكن تجاوزها بأي حال .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يخرج إلى صلاة الجمعة متزين ومتطيب، وفى يوم من أيام الجمعة، لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم معطف لزينة صلاة الجمعة وفى طريقه إلى المسجد قابله صحابيان فقام أحدهما بطلب المعطف من رسول الله صلى الله علية وسلم، وكان رسول الكريم لا يرد السائل قط، فلما فعل الصحابى ذلك رجع الرسول وخلع المعطف ليلبس معطفه القديم .. وفى خلال ذلك قال الصحابى الآخر معاتباً الذى سأل الرسول ألا تعلم بأن رسول الله لا يملك سوي معطفين وهو يحب أن يخرج إلى صلاة الجمعة متزين، وتعلم أنه لا يردك قط فهو لا يرد السائل فلماذا طلبت منه ذلك ؟ شعر الصحابى بالإحراج الشديد وقرر الإعتذار من رسول الله صلى الله علية وسلم حين يرجع، وفعلاً عاد الرسول وهو يرتدي المعطف القديم وجاء بالمعطف الآخر وقدمه إلى الرجل، فإعتذر الصحابي من نبينا الكريم علية الصلاة والسلام ولكن حسن خلق الرسول وكرمة وطيب أخلاقه جعله يعطى هذا الصحابى المعطف كما أمر الصحابة أن يلبسونه هذا المعطف عندما يموت ويدفنونه به، وفعلاً فعلوا هذا حين توفى الصحابي رضى الله عنه وأرضاه .. إنظروا إلى حب نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام إلى أصحابة وإخلاصه لهم وطيب كرمه وأخلاقه ، صلى الله عليك يا علم الهدى ما هبت النسائم و ما ناحت على الأيك الحمائم صلاة دائمة ما دامت السموات والأرض .