ما أحوجنا لجبر الخواطر
أوتاد – أحمد الفكي
وفي هذا الزمان تشتد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظراً لشدة الظلم الاجتماعي في هذا الزمان، وفساد ذمم الناس واختلاف نواياهم، ففي مجتمعاتنا نرى أن هذه معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وغم وهم، وهذا لا يجد جامعة او مصاريفها ، وذاك لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجاً، وذاك مريض والآخر مبتلى … والهموم كثيرة لا شك في ذلك .
لذا عزيزي القارئ تطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهد وعناء ولا كبير طاقة فربما يكفي البعض كلمة : من ذكرٍ ، أو دعاء ، أو موعظة ، وربما يحتاج الآخر لمساعدة، وينقص ذاك جاه، وينتظر البعض قضاء حاجة، ويكتفي البعض الآخر بابتسامة ووجه طلق ، فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا ولا نبخل على أنفسنا، فالصدقة والخير نفعه يعود إلى فاعل الخير أولاً .
جبر الخاطر عبادة في غاية اليسر و السهولة لمن وفقه الله أن يقوم بها و قد تكون خافية عن الشخص الذي يرى أنَّ عبادته تنحصر في الصلاة والصوم والزكاة و الحج وبر الوالدين و صلة الرحم فقط .. إعلم عزيزي القارئ أنَّ جبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفسٍ وعظمةِ قلبٍ وسلامةِ صدرٍ ورجاحةِ عقلٍ ، يجبر المسلم فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها، يقول الإمام سفيان الثوري : ( ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم )
و للأغنية السودانية رسالتها السامية فيما يخص جبر الخاطر و الخواطر فقد تطرقت لتلك الخُصلة العظيمة و لم بغب الخاطر عنها . فكتب الشاعر التيجاني حاج موسى و غناه الفنان زيدان إبراهيم ” طيَّبَ الله ثراه”
اذا الخاطر سرح عنك
تأكد انو راح ليك
وهوَّم في ربى الأحلام
قريب منك
سقت غيماتو واديكا
واذا خليتني في ظنك
بتلقى الروح تهيم بيك
ويبقى وجودي رهن اشارة
بس منك .
و كذلك الفنان محمد ميرغني له من ضمن كلمات مصطفى سند ” طيَّبَ الله ثراه ” :
عشان خاطرنا خلى
عيونك الحلوات تخاصمنا
ولما تمري أبقي أقيفى
واسألى عن مشاعرنا
زمان غنينا لعينيك
اغانى تحنن القاسين
هدينالك معزتنا
مشينا وراك سنين و سنين .
وعشان خاطرنا ترجع إحدى روائع الفنان عبد العظيم حركة ” طيَّبَ الله ثراه” وفيها :
زاد الشوق علينا ليه ياغالى تسمع
زاد وزاد علينا ليه ياغالى تسمع
ترحم حال قلوبنا و عشان
خاطرنا ترجع .
و بصريح العبارة كانت أغنية خاطرك الغالي للفنان عثمان حسين ” طيَّبَ الله ثراه ” و فيها يقول :
دايماً أطيب خاطرك الغالي وأسامحك لو نسيت
ودعت من يهواه قلبي يقربك مهما نأيت
كم مرة كم حاول يفرق بينا حاسد أو عزول
كم مرة قالوا جنيت علي بدلت ضو أيامي ليل .
ومن واقعنا العملي نماذج كثيرة شرعها ديننا الحنيف لجبر الخواطر وتطييب النفوس، لأجل ذلك كان من السنة تعزية أهل الميت وتسليتهم ومواساتهم وتخفيف الألم الذي أصابهم عند فقد ميّتهم ، لذا نجد بعضنا يقول في تعزيته جبر الله كسركم .
ما أحوجنا لتفعيل هذه العبادة اليسيرة جداً ذات الخلق القويم ألا هي جبر الخاطر و الخواطر في حياتنا اليومية .
* آخر الأوتاد :
جبر الخاطر يتمثل لنا في هذا التوجيه والإرشاد الرباني ( و قولوا للناس حسناً … ) 83 البقرة. أي قولوا حسناً بخفض الجناح و لين الجانب مع الكلام الطيب .
بلهجتنا العامية وفي تراثنا الشعبي ﻳُﺤﻜﻲ ﻋﻦأبونا ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﻭﺩ ﺑﺪﺭ “طيَّبَ الله ثراه” ﺃﻧﻪُ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺋﻤﺎً ﻹﺣﺪﻯ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﻞ .. ﻭﻣﺎشي ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻼ ﻭﺑﺮﻓﻘﺘﻪ جماعة من أحبابه و مردية ، ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ رأهم ﺭﺍﻋﻲ يرعى بغنمه ، إنتهز ﺍﻟﺮﺍﻋﻲ هذه الفرصة الثمينة و أراد أن يُكرم الشيخ و بسرعة حلب اللبن في كورة كبيرة و جرى مسرعاً ناحية ود بدر ليتشرف بالسلام عليه و أداهو اللبن ، أبونا ود بدر شال اللبن و شرب منه و شكر الراعي، هنا كانت الدهشة من مرافقي الشيخ بعد أن مشى بعيداً عن الراعي سالوه : يا شيخنا أنت صائم كيف تشرب اللبن .؟ أجابهم : النافلة بتتعوَّض لكن خاطر الراعي الجانا جاري ده كان إنكسر ما بتعوَّض .
مرة أخرى ما أحوجنا لجبر الخواطر في حياتنا .