السودان و الكوميديا السوداء
* *السودان و الكوميديا السوداء*
الكوميديا السوداء غالباً تتناول قضايا من الصعب الخوض فيها بطريقة مباشرة و جادة فيتم تناولها باسلوب هزلي فكاهي مع الاحتفاظ بالطابع الجاد في القضية المطروحة والتي غالباً ما تكون من شبه مسكوت عنه او تحتاج لجراءة في الطرح لذلك تُطرح في شكل هزلي وفكاهي تحاشياً لتناولها الجاد ومحاذيره …
في بدايات الثمانينات ظهرت بجامعة القاهرة بالخرطوم فرقة تهتم بجوانب الكوميديا والشعر الحلمنتيشي والاسكيتشات الخفيفة بجانب (الوطنيات) من الاناشيد الجادة من تاليف والحان واداء اعضاء الفرقة انفسهم اطلقوا عليها اسم (الجو الرطب) التي يقال انها كانت جريدة حائطية بالجامعة تطورت وكونت تلك الفرقة ونتيجة لبعض الخلافات بعد النجاح الباهر الذي حققته الفرقة وكحال اهل السودان حدثت انشقاقات بالفرقة فتكونت (الهيلاهوب) بالثالوث الجميل ربيع طه وطارق الامين ومحمد حسن حدباي و التي انقسمت بدورها بعد نجاحها الي (الهيلاهوب) و(الهيلاهوبا) ومنهما و من بقايا( الجو الرطب) خرجت (تيراب الكوميديا) وانتشر هذا النوع من الفرق بسرعة في عهد الانقاذ حتي يومنا هذا وصارت النكتة الغير منضبطة هي العمود الفقري لها مع احتفاظ (الهيلاهوب) وقائدها طارق الامين بنمط مختلف ومتطور كما اتجه النجوم من تلك الفرق الي مساراتهم الشخصية واختفي بريق بعضهم تماماً وظهرت وجوه جديدة وصاروا نجوماً والملفت للنظر ان ذات الانشقاقات ظهرت ظهرت بالاحزاب السياسية في ذات العهد
ما دعاني لهذه المقدمة هو عمل بسيط في تعابيره وعميق في معانيه (نجره) (ربيع طه) تحت عنوان (حقو نجوطا نلخبطا) وربيع طه له طرق (مجنونة) في نجر الطُرف بطريقته (المجنونة) لكن المتأمل لهذا العمل بسيط المحتوي الا انه عميق جدا و مرتبط بقضايا راهنة منها ما يحدث الان في هذه الحرب اللعينة اسم العمل (حقو نجوطا نلخبطا) قفز الي ذهني هذا العمل بعد مقالاتي المتسلسلة عن الزوجية وعقد الزواج ومايجب ان يجد من معالجات اشرت اليها تفصيلا بسبعة مقالات ولم يكتمل بعد تحت عنوان *الذم بديل الدم فلنصدق النية* ولمن اراد البحث عنها وعن ربيع طه في (حقو نجوطا نلخبطا)…يمكنه الاستعانة (بالعم قوقل) لمزيد من الربط
قفز هذا العمل الي ذاكرتي بعد هذه الحرب وقلت في نفسي ليت ولاة الامر منا (جاطوها ولخبطوها) من زمان لما (حدس ما حدس)
ويرتكز موضوع (نجوطا نلخبطا) علي مزج (شعب) السودان المختلف المتخلف بشعوب اخري من السويد والمانيا(كما جاء بالنص) ونسي او تناسي مزج شعوب السودان ببعضها البعض و ربما اراد الخروج بهذه الشعوب للعالمية ومزجها بشعوب اخري… لكنه لم يتعامل مع شعوب السودان ككتلة واحدة فقال (حقو نجوطا نلخبطا نجيب خمسة المان والف من قبيلة معينة) وكان الاجدي ان يقل الف من السودان لكنه بادراك منه او دونه اختار قبيلة معينة ثم اتي بالمفارقة او (الافيه) المضحك وكذلك اختار قرية معينة من وسط السودان علي ان نجلب خمسة من السويد لهذه الرقعة الجغرافية ثم اتي بما يجلب الضحك والسخرية
ولاننا بالسودان لا يوجد لدينا كثير اهتمام بمثل هذه الاعمال ولا نتناولها بالنقد والموضوعية والتحليل العلمي والنقد الفني (حدس ما حدس)…. اما كان الاجدي ان يجد مثل هذا العمل البسيط النقد الموضوعي للتجويد والارتقاء والفهم العميق للقضية من جانب المُلقي والمتلقي فهو يتناول قضية مهمة جداً خصص لها المولي عز وجل نصوص قرانية فقضية (نجوطا نلخبطا) ليس امر عادي ومفارقة مضحكة فقط بل هو اصل من اصول الحياة وجمالها في هذا الكون الكبير الشاسع الواست… قال الله تعالي في محكم تنزيله مخاطباً الناس جميعاً (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) هذه (الأية 13 من سورة الحجرات) ولعل مفردة (تعارفوا) الواردة بالاية الكريمة هي ذات ما اشار اليه ربيع طه ب (نجوطا نلخبطا) وحدوث العكس… والاية الكريمة تشير بوضوح (لكل الناس) ان الله خلقهم من ذكر وانثي وجعلهم شعوباً وقبائل لغرض (تعارفوا) وقد اشرت في مقالاتي السابقة ان التعارف هو بداية الزوجية وتكوين الاسرةو لا اريد الخوض اكثر بهذا الامر في مقالي ولكن سورة الحجرات تحتاج لمزيد من التأمل فالايات التي تسبق هذه الاية اغلبها تخاطب (المؤمنين) وتمنعهم عن السخرية والتنابز وتتحدثهم عن كيفية معالجة قتال المؤمنين لبعضهم البعض(سبق ان تناولتها في مقال منفصل) وقضية الاصلاح بينهما في بداية هذه الحرب
طبعاً لا استبعد السخرية من هذا المقال وطرحه وكيف ان نستدل بالايات الكريمة تحت عنوان الكوميديا السوداء وربما يقولون الكثير والمثير الخطر لكن تبقي الحقيقة ان القران تطرق لكل المسائل بلغة رفيعة ولم يترك شاردة او واردة في حياة الناس الا وتطرق لها… كما لا اجد حرجاً في تناول القضايا بالصور التي تناسب المجتمع لكن يبقي وجود كيانات نقدية وعلوم ومعامل لها امر في غاية الاهمية كما ان امر (الجوطة واللخبطة) يجب ان يكون اولاً بين الشعوب السودانية نفسها حتي نكون شعباً واحداً متجانساً ثم نقفز (للالمان والسويد) وغيرنا من الشعوب ان مشكلتنا الحالية و حربنا العبثية نتيجة حتمية لعدم تمسكنا ب(تعارفوا ) وضرورته مما جعلنا نقفز بالزانة (للجوطة واللخبطة) وحوجة ماسة لمستها الكوميديا كما ان عدم وجود مؤسسات راقية لتناول امر المسرح والثقافة والفنون وكيانات نقدية تقف لكل ما يتم تناوله خلق اجيال غارقة في السطحية (والبل والبلبلة والتلتلة) … ختاماً تحية خاصة للفنان ربيع طه ودعوة لعمل (جوطة ولخبطة) (داخلية) نرتدي من فوقها (الليموني) بعد عودة (الظلط) …..
سلام
محمد طلب