على مد البصر.. كانت الجزيرة برش السودان.. تطعم الجائع.. وتأوي التائه.. وتحتوي الفقير.. بساط أخضر كطيبة نفوس أهلها.. تمنح الجميع.. قمحاً.. ووعداً .. وتمني.. ثم تظلل هذه البلاد بالمحنة.. بالبساطة.. وتكتب على سفر السودان أروع القصص.. لم يعرف عن إنسانها العدائية.. فهو صاحب كف معطاءة.. لا تهطل إلا بالخير.. ولا تخرج للناس إلا “قدح في الإيد.. وفي إيد المي” كما كتب حميد وصدح مصطفى..
ما كان للجزيرة أن تنزف كل هذا النزيف.. لو عرف التتار الجدد معنى وقيمة إنسان الجزيرة.. لم يكونوا ليبصقوا على هذه الأقداح المعطاءة، لو أنهم كانوا سودانيين، رضعوا من ثدي النيل، وأكلوا من قدح الجزيرة، وتلذذوا برطب الشمال، ونعموا بفاكهة الشرق، وتدارسوا القرآن في خلاوي دارفور، هولاء اللقطاء الذين شوهوا وجه السودان، وضربوا كرامة إنسانه، وصاروا كالكلاب الجرباء لا يدخلوا منطقة إلا وهجرها الناس لهم.. فأي هوان وأي ذلة.. وأي رفض أبلغ من هذا؟
الجزيرة تنزف.. وأنصاف الرجال يضعون كيكة السلطة لاقتسامها فوق أنهار الدم.. وفوق آهات الوجعة.. وفوق صرخات النساء والأطفال..
الناس يموتون.. وحقائب العملاء ما زالت تروج للبضاعة.. والبيع بالجملة.. والابتسامات الباردة.. تخفي خلف لؤمها كل مكر الدنيا وخبثها.. فمن يبيع دم بني وطنه بدراهم معدودة.. لا بد أن يأتي عليه يوم ويخر ساجداً ذليلاً عند عرش الانتصار.. وحينها لن يرفعهم أحد، ففي مزبلة التأريخ متسع للأوباش والأوغاد والخونة..
وسؤال يظل حائراً..
إلى متى تنزف الجزيرة.. ؟؟ وإلى متى يصمت الجيش.. ؟؟ وإلى متى الانتظار؟؟ والاجتياح في المتناول..!!
سنجلس مع أهلنا في الجزيرة على رصيف الحيرة حتى نجد الإجابة في شكل انتصار لا خيار سواه..
ولن تنبت أرض الجزيرة مجدداً.. قبل أن نقتص لإنسانها من غدر الكائدين..
أصحى يا جيش..!!