نار وجدي وصواميله
محمد عبدالماجد يكتب :
اكثر الاشياء التى حدث لها تضرر وخراب وتلف عام في العهد البائد كانت (الاخلاقيات) التى افسد فيها نظام البشير، حتى اضحت التقاليد والأعراف نفسها عرضة للتبدل والانجراف مع تيار النظام. اما القوانين فقد جعلوها لعبة في ايديهم يفعلون بها ما يشاءون، يحللون بها فسادهم ويحمون عن طريقها نظامهم.
شرّعوا قوانين لجهاز الامن والمخابرات يبطش بها كيفما يشاء تحت ستار حماية الوطن وحفظ الامن والاستقرار، وهم الذين باعوا اراضي الوطن مرة بالسلام ومرة بالحرب وقبضوا الثمن تمديد فترة الحكم مرة بالحوار ومرة بالخوار – لقد كان قانون جهاز الامن والمخابرات قانوناً فقط جاء ليحمي مصالحهم حتى لو كان ذلك على حساب امن الوطن وسلامة شعبه.
شرّعوا قانوناً للنظام العام من اجل محاسبة الشعب وقمع المواطنين وهم افسدوا في الارض واستباحوا حدود الله. حتى العملة والسلم التعليمي والمؤسسات الصحية جعلوها لتدعم مؤسساتهم – فقد كانوا يستبدلون كل شيء لا يتوافق مع مصالحهم بما في ذلك (الوقت) الذي استحدثوا فيه ما لا يتوافق مع الطبيعة بما جرى تسميته في ذلك الوقت بـ(جر الساعة) او (جر الضل). (2) لجنة تفكيك النظام البائد التى تم تجميد نشاطها بعد انقلاب 25 اكتوبر كان يفترض ان تفكك النظام البائد عن طريق تركيب اخلاقياتنا من جديد وإعادة هيكلة الوجدان السوداني بما يتوافق مع ثورة ديسمبر المجيدة التى جاءت من اجل السلام والحرية والعدالة.
ثورة ديسمبر المجيدة ثورة اخلاق. ثورة وعي. ثورة وطن. نظام الانقاذ لم يسرق وينهب ثرواتنا فقط – وإنما اتلف وخرّب اخلاقياتنا – ولكم ان تنظروا في الشماتة والسخرية التى ظهرت من بعض الناس بعد اعتقال وجدي صالح الذي فشلوا في ان يجدوا له ادانة تمس شرفه وأمانته فاتجهوا الى ادانته في قضايا الحرية والتعبير. وجدي لم يهرّب الذهب ولم يسرق اموال البلاد ولم يتاجر في خياراتها ويسمسر في عملاتها، وجدي لا يملك ارصدة في البنوك ولا شقق في تركيا او قطر، وجدي ليس عنده شيء غير (الصواميل) فهل بلغ هذا النضال عندكم درجة الادانة والعقاب؟ النيابة العامة كشفت عن البلاغات الموجهة ضد وجدي صالح واسمته (المشتبه) به، وتحدثت عن تحقيقات اولية وإجراءات وقالت : (بعد التحري حولت الإجراءات لدعوى جنائية تحت المادة ١٧٧/ ٢ من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١م ومخالفة القوانين الخاصة المتعلقة بالتعامل بالنقد الأجنبي ومخالفة الإجراءات المالية والمحاسبية ومخالفة قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه وغيرها). هكذا هو دور النيابة العامة في مثل هذه الانظمة.
.تركوا (79) شهيداً قتل بعد 25 اكتوبر بالرصاص الحي ويحققون مع وجدي صالح في قضايا (اشتباه). هذا الاعتقال لوحده يبقى شرفاً لوجدي صالح الذي أؤتمن على ثروات البلاد التى نهبها قادة ورموز الانقاذ فأدانوه في قضية نشر. اعادوا القوانين من جديد من اجل ان تشرع وتنفذ وتطبق فقط من اجل حماية (كراسيهم). جريمة وجدي صالح هي عمله على (تفكيك) النظام البائد الذي اتضح للجميع الآن انه النظام السائد وليس البائد. (3) قبل 25 اكتوبر كان الصراع والحراك الثوري ضد النظام البائد الذي كان متخفيّاً ،وفي اعتقادي ان ذلك كان اخطر من الدخول في صراع مباشر مع النظام. النظام البائد فقد ارضيته وهو لا يقوى على المواجهة – فقد سقط نظام الانقاذ اخلاقياً لذلك كان تستره وقتاله من وراء حجاب افضل لهم من المواجهة المباشرة مع الشارع ومع الشعب. قد تكون الكلفة اغلى – ولكن ذلك افضل للثورة من محاربة كتائب الظل.
نظام الانقاذ حتى عندما كان في السلطة كان هو نظام الظل – فقد كانت الانقاذ (دمية) في ايادي اجنبية افقرت البلاد وأنهكت شعبه. كل شيء كان ليس في صالح الوطن والشعب الانقاذ فعلته بما في ذلك انفصال الجنوب الذي قبضوا ثمنه لحسابهم الخاص وتركوا الوطن يعاني كل تلك المعاناة بعد الانفصال. (4) بغم هل يمكن ان يصبح (الشرف) ادانة و(الامانة) تهمة و(الحرية) جريمة و(الاخلاق الحميدة) ضع تحتها خطين؟ هل تفكيك (الصواميل) تقويض للنظام؟ هل يمكن ان يتم ذلك كله تحت ستار (تصحيح مسار الثورة)؟ اذن حدثونا بربكم كيف يكون (الانقلاب)؟