كانت.. جميلة ومستحيلة
شرف الدين محمد الحسن يكتب :
لم اصدق أذني وهي تلفتني لأرى العشرات من الطلاب واولياء امورهم وهم يطالبون بنقل أبنائهم من جامعة الخرطوم أو إلغاء تسجيلهم فيها ،، كان ذلك قبل شهر أو أكثر قليلا عندما كنت في مكتب القبول بشارع الجامعة ،،
سمعت أولياء الامور يقولون : ( ننقلهم أي جامعة أخرى المهم نتخارج من هذه الورطة) ،،
هل تصدقون ،،،
أصبح الانتساب لجامعة الخرطوم ورطة ،،
جامعة الخرطوم التي كانت توصف ب ( الجميلة ومستحيلة ) ترديدا لرائعة محمد وردي ( يا جميلة ومستحيلة) ، لقد اصبح الانتساب لها ورطة يهرب الناس منها ،،
فعندما تتراكم أربعة دفعات في السنة الاولى ، وعندما تظل ادارة الجامعة في مقعدها أكثر من ثلاثة سنوات ولم تشهد طالباً يرتدي روب التخرج او تسمع زغاريد الامهات لابنائهم وبناتهم ابتهاجاً بتكليل جهود صبرهم وتربيتهم لمشوار جديد ، فهذه ادارة سيذكرها التاريخ بالأسوأ على الاطلاق في مسيرة الجامعة ،،
كنا ننظر لجامعة الخرطوم متوقعين منها أن تقود مسيرة التعليم عن بعد أيام جائحة كورونا ، فإذا بها تغلق أبوابها وتعجز حتى عن ادارة اجتماعاتها عن بعد ، انهار كل الارث الهندسي والمعلوماتي في تأسيس نظام الكتروني يؤكد علو كعب الجامعة العريقة ،،في حين كل العالم من حولنا نجح في ذلك ، ولم تتوقف الدراسة ، بل كانت التجربة في استمراها نجاحا وتأكيدا على دور الجامعة في الابتكار ،، لكن جامعة الخرطوم فشلت ، ليس لضعف امكاناتها وطلابها ، بل لضعف ارادتها الحالية ،
لأول مرة ، لن يذهب المأئة الاوائل من طلاب الشهادة السودانية إلى جامعة الخرطوم ، لقد أخذتهم وكفلتهم دولة اخرى تعرف معنى التفوق والاستثمار فيه ، بل حتى باقي المتفوقين يمموا شمالا وشرقا هرباً من جحيم الاهمال في جامعاتنا الكبيرة ،،
لا أحد يصدق أن أُسر الطلاب المتفوقين أصبحوا يفضلون التعليم الخاص عن التعليم الحكومي الذي كان ميزة يجتهد الطلاب واسرهم للحاق بها ،،
إضطر الأهل لبيع ممتلكاتهم ورهن مرتباتهم للجامعات الخاصة أملاً في الاستقرار المعدوم في جامعة الخرطوم ،،
جامعة الخرطوم التي لم تكن تفرط في اساتذتها طيلة حياتهم هجرها بروفسيراتها ودكاترتها مغاضبين وفي قلوبهم حسرة ،،
تبعد الشُقة بين الاساتذة والادارة ، والجامعة تمتلك عقارات لا حصر لها واستثمارات تؤسس لمدينة ولكن لا ادارة تدير ذلك و تدعم اساتذتها ،،
انها حسرة كبيرة على الجميلة ومستحيلة وقد أصبحت طاردة ومنتهكة ،،
فجامعة الخرطوم التي كانت تتقدم العالم وكنا نباهي بها وبخريجيها صارت مهجورة مرفوضة متراجعة ، وهي كانت لنا التاريخ والعلم والفخر الذي طالما تعالينا به ، وهل أكثر من العلم فخرا ومجدا ،،،
اليوم تتداعى كلية الطب جامعة الخرطوم لذكراها المائة ، ينفضون غبار الحاضر عن المجد التليد ، فهل سيكون ذلك مبعثاً للمارد المغطى بالرماد ليهب على اساسه المتين وتعود الجميلة ومستحيلة ، أم سيواصل غفوته وسباته في رحلة الهبوط إلى النسيان ،،
🖋 شرف محمد الحسن