مقالات

مخاطر ظاهرة ” الدولرة” على الاستقرار الاقتصادي والأمن الوطني

 

بقلم : الخبير الاقتصادي بروفيسور ابراهيم اونور

 

كلمة الدولرة ترجمة مباشرة لمصطلح dolarization، والذي يرمز لشيوع استخدام الدولار الأمريكى فى التبادل التجارى فى اي بلد خارج امريكا بدلا عن استخدام العملة الوطنية.

تنتشر ظاهرة الدولرة فى العادة نتيجة لفقدان المواطنين الثقة فى العملة الوطنية بسبب التضخم وانخفاض قيمتها بصورة مستمرة. منذ العام الماضى ظهرت فى السودان بوادر تزايد استخدام الدولار فى المعاملات التجارية خارج القطاع المصرفى وأصبح يتسع نطاق التعامل به بين المواطنين فى معاملاتهم التجارية بما فيها شراء الاراضى والعقارات والايجارات، بالطبع انتشار الظاهرة يعتبر مهدد خطير لمستقبل استقرار الاقتصاد السودانى مالم تتم معالجة الظاهرة لاحتوائها بأسرع مايمكن.

اضغط هنا للإنضمام لمجموعات رام نيوز على الواتس اب

تتمثل مخاطر الدولرة على الاقتصاد القومى فى فقدان الدولة اهم آليات التخطيط الاقتصادي نتيجة لغياب سياسة نقدية مستقلة تمكنها من السيطرة والتحكم فى مسار التضخم وإدارة السيولة لدى القطاع المصرفى وفقا لأهداف خطة محلية ، وذلك نتيجة لازدياد تبعية الاقتصاد القومي بصورة مباشرة بالسياسة النقدية الامريكية والتى قد تتعارض مع اهداف الخطط الاقتصادية المحلية،لتوضيح ذلك مثلا قد تكون اولويات المرحلة فى السودان الاستقرار الاقتصادي المتمثل فى استقرار التضخم وأسعار الفائدة او عوائد الاستثمارات المحلية وفى نفس الوقت قد تكون اهداف السياسة الأمريكية معالجة مشكلة الركود الاقتصادى المتمثل فى تراجع الطلب على السلع و الصادرات الامريكية. هنا تلجأ الدولة الامريكية لتخفيض سعر الفائدة على السندات الأمريكية وعندئذ سيلجأ المستثمرون لبيع السندات الامريكية وشراء سلع بديلة للدولار الأمريكى وهو فى الغالب الذهب الأمر الذى يتسبب فى انخفاض قيمة الدولار فى البورصات العالمية. فى هذه الحالة سيتأثر الاقتصاد السودانى سلبا نتيجة لانخفاض قيمة حصائل الصادرات السودانية المقيمة بالدولار الامريكي بسبب انخفاض قيمة الدولار الأمر الذي يزعزع الاستقرار الاقتصادي فى السودان نتيجة للسياسة النقدية الامريكية. بالطبع يستفيد الاقتصاد الأمريكي من انخفاض قيمة الدولار نتيجة لازدياد الطلب على الصادرات الامريكية فى الأسواق العالمية. ولذلك يمكن القول ان تعارض المصالح بين البلدين قد يكلف الدولة التابعة للعملة الامريكية تكاليف باهظة اقلها التبعية السياسية وعدم القدرة للتخطيط للمستقبل وفقا لرؤية وطنية. ايضا تشمل مخاطر انتشار الدولرة على الاقتصاد المحلى تراجع الأرصدة الدولارية لدى القطاع المصرفى السوداني نتيجة لتوسع المعاملات الدولارية بين المواطنين وتخصيص ها فقط فى المعاملات التجارية المحلية (او الدولار مقابل أصول حقيقية وليس مقابل جنيه سودانى) وبالتالى يتسبب ذلك فى عجز البنوك توفير العملات الحرة للاستيراد وللمعاملات الحكومية الرسمية مثل سداد الديون الحكومية مثلا. كل ذلك حتما سيكون خصما على الاستقرار الاقتصادي والسياسي

يبقى السؤال المهم هو كيف يمكن احتواء او تقليل ظاهرة الدولرة فى السودان؟ بالطبع الإجابة للسؤال تتمثل فى الاستمرار فى تبنى سياسة سعر الصرف المرن المدار والذى تم تنفيذه العام الماضي وذلك من خلال استهداف تثبيت الفجوة بين السعرين ، سعر البنك وسعر السوق الأسود. يتطلب ايضا بناء احتياطي نقد أجنبي للبنك المركزي بتوجيه وتخصيص نسبة من حصائل الذهب السوداني لذات الغرض ، هذا بالإضافة لتجريم ومحاربة تجار السوق الاسود للعملات الحرة من خلال إيقاع أقصى عقوبة للمتعاملين فيه، وإطلاق يد الأمن الاقتصادي ورفده بكوادر مدربة للتعامل مع جرائم التخريب الاقتصادي

اضغط هنا للإنضمام لمجموعات رام نيوز على الواتس اب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى